"حصلت على حريتي بالكرسي المتحرك في عمر الثالثة عشر، فلم أكن أخرج من المنزل طوال السنوات المنصرمة الا بوجد من ينقلني دون أن أشعر بأقدامي تطأ الأرض، وهذا ما زاد ألمي فوق الألم، فعالمي هي مساحة عدة أمتار أمام منزلنا ما أستطيع التجول بها".
سهام أبو عويضة "37عاماً" من سكان مخيم المغازي وسط قطاع غزة، منذ ذوات الإعاقة الحركية بسبب خطأ طبي عند الولادة، جعلها حبيسة البيت طوال فترة الطفولة ولم يُسمح لها بالخروج من المنزل مخالطة أقرانها من الأطفال.
تقول سهام إنه من النادر أن تجد أسرة تتقبل إعاقة طفل لديها وتتعامل معه بالطريقة الصحيحة، وخاصة لو كانت فتاة، وبالرغم من ذلك حاول أهلي اجراء عمليات جراحية لي في مستشفيات خارج القطاع ولكن للأسف لم يكن هناك علاج وقتها بالشكل الكافي.
تكمل أبو عويضة، حتى جاء وقت التحاقي بالمدرسة في فترة الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987، آن ذاك لم يكن مؤسسات خيرية تساعد ذوي/ات الاعاقة على توفير كراسي متحركة لهم/ن، ما جعل التحاقي بالمدرسة ضرباً من الخيال.
في تقرير نشرته الهيئة المستقلة لحقوق الانسان "ديوان المظالم" عام 2020، تفيد التقديرات الراهنة بأن نسبة التحاق الاطفال ذوي الاعاقة بالمدارس في البلدان النامية منخفضة إلى حد تتراوح معه بين 1-3 %، لذلك لا يذهب نحو 98 % من الاطفال ذوي الاعاقة إلى المدرسة، ونصت المادة (10) من قانون حقوق المعوّقين رقم (4) لسنة 1999 على جملةٍ من الحقوق الخاصة في مجال رعاية وتأهيل ذوي الاعاقة من ضمنها كفالة الحق في التعليم.
تضيف سهام، كنت أنتظر أخوتي أن يعودوا من المدرسة وأطلب منهم أن يتحدثوا لي عما تعلموه فيها، وهذا الامر ترك غصة مستمرة في وجداني ما جعلني أشعر بأنها العقبة الأكبر التي أوجهها في حياتي.
كانت بداية حريتي عندما حصلت على كرسي متحرك عندما بلغت الثالثة عشر، كنت طوال السنوات المنصرمة لم أخرج من المنزل الا برفقة اهلي نقلاً في السيارة دون أن أشعر بأقدامي تطأ الأرض، وهذا ما كان يزيد ألمي فوق الألم، وأبعد مكان كنت يمكن أن أصله لا يتجاوز أمتار قرب منزلنا.
وعلى الرغم من فرحتي بتملكي الكرسي المتحرك، الا أنه لم أقدر على الخروج وحدي خوفاً من حدوث خطباً ما معي، بالإضافة لخوفي من العالم الخارجي، ولكنني تغلبت على هواجسي بالتحاقي بدورة صناعة الصوف على الألات لمدة ستة أشهر، لأجد نفسي حبيسة البيت مره أخرى بعد انقضاء مدة الدورة التدريبة.
كان حلمي بإتمام الدراسة أشاهده كل يوم في يقظتي، فبادرت بالتسجيل للدراسة في فصول محو الامية لمدة ست سنوات، وحصلت على شهادة السادس ابتدائي مع أفضل الدرجات الدراسية لتفوقي، وهذا ما جعلني أستمر بالمثابرة والمضي قدماً في أثبات ذاتي.
وطوال فترة الدراسة في فصول محو الامية الفترة المسائية، كنت مصره على أن أسبق الزمن واعوض ما فاتني في شتى مناحي الحياة، فتحصلت على دورات في مختلف المجالات العملية الفترة الصباحية، منها التطريز، الكروشية، السيراميك، الخياطة على الماكينات، القيادة، المناصرة، الإسعافات الأولية ... إلخ.
حاولت الالتحاق في المدارس النظامية واكمال الدراسة المتوسطة ومن ثم الثانوية، وذلك إيماناً مني بأن الدراسة سوف تفتح لي أفاق أكبر وتوصلني لأحلامي التي أصبو لها، إلا أن الفجوة بين مناهج محو الامية والدراسة النظامية، حطمت جزء من طموحاتي واحلامي.
لم توفقني الحياة عما أربو له، فبدأت بالبحث عن عمل أثبت به نفسي وأحقق قدراتي الجسدية والعقلية، فعملت في أكثر من مكان بتنشيط الأطفال والمعسكرات الصيفية لهم، بالإضافة لخياطة الملابس والمشغولات اليدوية لنصف عام.
خلال تلك الفترة التي كنت احفر بها صخور تغيير الصورة النمطية في المجتمع المحلي عن ذوي الإعاقة وحقوقهم/ن، استطعنا وبعض زملائي/ات أن نؤسس "فريق عهد وميثاق للأشخاص ذوي الإعاقة" كدعم ذاتي لذوي الإعاقة في المنطقة الوسطى التي كانت تعاني من بعض التهميش الجغرافي، ودون أي دعم مادي.
انتظرت طويلاً حتى جاءت الفرصة لأن أكون مؤثرة في المجتمع، فقد تم اختياري للالتحاق ببرنامج خاص بذوي الإعاقة لتدريبنا ومجموعة من الزملاء والزميلات على توعية المجتمع بحقوق ذوي الإعاقة عن طريق اعطائهم ورش توعوية ودورات تثقيفية.
في نهاية العام 2018، عقدنا العزم أن نخوض تجربة انتخابات مجلس إدارة الاتحاد العام للأشخاص ذوي الإعاقة، وهذا جاء ارتكازا منا على العلاقات مع الأشخاص الذين استفادوا من مبادراتنا وخدماتنا، فحصلنا على أعلى الأصوات بفارق كبير.
اليوم، ما زلت أحاول تحقيق أحلامي التي أطمح لها تباعاً، كالسفر وتمثيل فلسطين في بطولة كرة السلة العربية والدولية لذوي الإعاقة، وبالرغم من ضعف الإمكانات المادية واللوجستية إلا أنني كابتن فريقي لكرة السلة، والذي نسعى من خلاله أن نؤسس -كفتيات ذوات إعاقة- فريق منتخب فلسطين.
وبعد سنوات مضت، لدي مشروعي الخاص "سهام للمشغولات اليدوية"، والذي يغطي بعض نفقاتي وأشارك فيما انتجه بالمعارض المختلفة، بالإضافة لبعض المكافئات من المشاريع التي تنفذها المؤسسات المحلية والدولية لعدة أشهر مختلفة، وما زلت أحلم لأن الحلم هو ما أوصلني للقمة.
كن أول من يعلق
تعليق جديد