مر عام ونيف على إصابة الصحفي الفلسطيني عطية درويش (31عاماً) حدث ذلك في الرابع عشر من ديسمبر للعام 2018، حين كان على رأس عمله يصور اعتداءات جيش الاحتلال "الإسرائيلية" التي تستهدف المتظاهرين السلميين في مسيرات العودة القائمة على السياج الفاصل للأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948.
كان عطية يرتدي بزته الصحفية -الدرع والخوذة الأزرقين- وقد كتب عليها بالخط العريض "PRESS"، وبرغم ذلك لم يتوانى جندي جيش الاحتلال "الإسرائيلي" عن استهدافه بشكل مباشر في خده الأيسر بقنبلة غاز، تلك القنبلة التي اخترقت عينه أيضًا، وتسببت له في تلف بنسبة 80%، فيما أصيبت أيضًا أذنه اليسرى وكُسر فكه.
يقول عطية أنه تلقى الكثير من الدورات التدريبة والندوات الخاصة بالسلامة المهنية للصحفيين وبعض القوانين والتشريعات الدولية التي تجعله حذراً أثناء تواجده في مناطق النزاع، لذا كان يوم إصابته يبعد عن السياج الفاصل مسافة لا تقل عن 300 متراً.
تُمثل حادثة إصابة "عطية" واحدة من جملة اعتداءات وجرائم احتلال "إسرائيلية" تكررت ضد الصحفيين الفلسطينيين، والتي كان آخرها إطلاق النار على المصور "معاذ عمارنة" خلال شهر نوفمبر من العام 2019، مما أدى إلى فقدانه البصر في عينه اليسرى.
استهداف في مقرات العمل
كان الصحفي "خضر الزهار" يغط بالنوم مرهقًا خلال يوم عمل شاق للغاية حين أطلقت طائرة حربية إسرائيلية صاروخ تجاه برج مدني وسط مدينة غزة يقبع فيه مكتب قناة القدس الفضائية التي كان يعمل بها "خضر"، وما ان انفض غبار القصف حتى وجد "خضر" نفسه عاجز عن الحركة لأن قدمه بترت.
يقول "خضر" عن هذه اللحظات الصعبة: "أخذت أزحف وأنا مصاب حتى سقطت مغشيا علي، ليتم بعدها إسعافي من قبل الناس"، كانت تلك الحادثة في العدوان "الإسرائيلي" على قطاع غزة 2012، حين قررت طائرات الاحتلال استهداف الطابق الأخير من برج الشوا حصري الذي يضم جملة من المكاتب الإعلامية.
أدلى "الزهار" بإفادته للعديد من المراكز الحقوقية والإنسانية، لكنه اليوم مُحبَط من إمكانية أن يحصل على حقه في القضية التي رفعها أمام محاكم الاحتلال "الإسرائيلية" ليُعاقب مطلق الصاروخ أو من أعطاه الأوامر بذلك، ويتم تعويضه عن الضرر الناجم عن هذه الإصابة، إذ تنص القوانين والمواثيق الدولية على أن الصحفيين في ساحات النزاع المسلح مدنيون ومكلفون بالحماية القانونية المتوفرة للمدنيين.
انتقلنا لتجربة صحفي أخر، هو "محمد عثمان" الذي أطلق عليه قناص "اسرائيلي" رصاصة متفجرة أصابت يده اليسرى واخترقت صدره لتصيب عموده الفقري، كان محمد يصور مسيرة سلمية في العام 2011 بالقرب من السياج الفاصل مع الأراضي الفلسطينية الشمالية المحتلة لقطاع غزة، وكان في لحظة إصابته بعيدًا عن المتظاهرين السلميين، "عثمان" يعتقد جازماً أن القناص "الإسرائيلي" الذي أصابه كان يتعمد اصابته، فجيش الاحتلال لديه من المعدات والإمكانات التي تجعله يرى بوضوح أنه صحفي ولا يحمل أي سلاح ولا يشكل أي خطر عليهم، على حد تعبيره.
الصحفي "عثمان" يعلم أن قضيته التي ترافع بها أحد المراكز الحقوقية قد توقفت بسبب طلب المحكمة "الإسرائيلية" كفالة مالية كبيره جداً لقبول النظر في القضية، ويعلم جيداً أن الحق لا يسقط بالتقادم وسيبذل قصارى جهده لانتزاع حقه في محاكمة "القناص" الذي سبب له الشلل وإلزامه بتعويضه مادياً عن هذا الضرر من خلال المحاكم "الإسرائيلية" أو الدولية.
الانتهاكات "الإسرائيلية" في تزايد
وثقت نقابة الصحفيين الفلسطينيين أكثر من 650 اعتداء "إسرائيلي" ضد الصحفيين الفلسطينيين منذ بداية عام 2019، بما فيها 150 إصابة بالرصاص، وفي عام 2018، أبلغت النقابة عن 813 اعتداء.
تحدثنا إلى مستشار مركز غزة لحرية الإعلام الصحفي "عادل الزعنون"، فقال إن المركز يتابع ويوثق كافة الانتهاكات والاعتداءات التي ترتكبها سلطات الاحتلال في فلسطين من جهة، وأيضا الانتهاكات الداخلية في الأراضي الفلسطينية، ويصدر تقريرًا شهريًا وفصليًا وسنويًا، كما يتولى المركز –حسب الزعنون- توعية الصحفيين بحقوقهم والقانون الدولي الإنساني ويساعد وفق إمكانياته بالدفاع عن الصحفيين الذين يتعرضون للاعتقال، ويسعى لمساعدة الصحفيين الذين يتعرضون للإصابات في برامج علاجية وفق الإمكانيات المتاحة، الى جانب التدريب والتطوير باعتبار جودة الصحافة تؤدي لحرية الصحافة.
ويضيف الزعنون، أنه يتم توثيق الانتهاكات من خلال قسم رصد ومتابعة وتوثيق الانتهاكات وفق المعايير المتّبعة دوليًا، وذلك من خلال المتابعة المباشرة والحصول على الإفادات المباشرة من المعتدى عليهم ومن الجهات الرسمية واتخاذ التدابير والإجراءات الواجبة بما في ذلك الوصول للمحاكم الدولية، خصوصًا في ملف شهداء الصحافة في حروب2008-2012-2014 ، التي استشهد فيها نحو 20 صحفياً، وشهداء الصحافة الآخرين في الاعتداءات المتوالية للاحتلال والذي كان آخرهم المصوران الصحفيان "ياسر مرتجى" و"أحمد أبو حسين" اللذان استشهدا خلال تغطية فعاليات مسيرات العودة.
القانون الإسرائيلي "لا تعويض"
يوضح المحامي في المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان "محمود حميد"، أن قضايا تعويض الصحفيين الفلسطينيين التي رفعت فيما مضى، اصطدمت بقطارٍ من المعيقات "الإسرائيلية" التي تحول دون الوصول إلى العدالة، والتي من أهمها ما نص عليه في المادة (5) من قانون المخالفات المدنية الإسرائيلي (مسؤولية الدولة) لعام 1952، وهو أن المقيمين في قطاع غزة الذي تم إسباغه بصفة "الإقليم المعادي" لا يكون لهم الحق في مطالبة دولة الاحتلال "الاسرائيلية" بالتعويض عن الأضرار المدنية بغض النظر عن الظروف وشدة الاصابات والأضرار المدعاة- وفقا للقانون-.
ويضيف "حميد"، بأن التعديل رقم (8) قد قدم معايير يصعب استيفائها على مواطني القطاع، هذه المعايير تتطلب من الضحايا، تبليغ وزارة "الدفاع" خلال 60 يوماً من تاريخ الحادثة، إيداع كفالة مالية باهظة لدى صندوق المحكمة، والقيام شخصياً بتوكيل محامين في دولة الاحتلال "إسرائيل"، والحصول على تصريح دخول للإدلاء بالشهادة لدى المحكمة.
من جانبها، تؤكد المحامية في مركز الميزان لحقوق الانسان، "ميرفت النحال" أن دولة الاحتلال أغلقت الباب أمام الضحايا الفلسطينيين لرفع القضايا في محاكمها بتعديلها للقوانين، فقبل القيام بأي عملية عسكرية على قطاع غزة، تصدر تعديلات مُسبقة في القانون "الإسرائيلي" لحماية جنودهم في الانتهاكات التي يتم ارتكابها تجاه الفلسطينيين، ولذا جميع ضحايا ما بعد عام 2012 لا يمكنهم التقدم بشكوى أمام المحاكم "الاسرائيلية".
إذ أنه في العام 2012 تم تعديل قانون الأضرار المدنية الاسرائيلي رقم (8) لنفس العام، والذي نص على أن أي اضرار تنشأ عن انتهاكات تم ارتكابها من قبل جنود جيش الاحتلال أثناء عملية حربية معلن عنها، تعتبر دولة الاحتلال الإسرائيلية معفية من المساءلة عنها ولا يتم لجوء الضحايا إلى القضاء فيها.
وبالرغم من ذلك، إلا أن الضحايا من الصحفيين استبشروا بارقة امل بتعويضهم عن حقوقهم بعد قرار ممثلة الادعاء في المحكمة الجنائية الدولية "فاتو بنسودا" منتصف ديسمبر 2019، فتح تحقيق شامل بخصوص "جرائم حرب" محتملة ارتكبتها قوات الاحتلال "الإسرائيلي" في الأراضي الفلسطينية.
كن أول من يعلق
تعليق جديد