لم تستقبل تلك السجادة الحمراء التي فُرشت على مدرج مبنى رشاد الشوا وسط مدينة غزة؛ انطلاقاً للمهرجان السينمائي والذي سيستمر لخمسة أيام، أقدام الحكماء أو القادة أو حتى المشاهير من الفنانين؛ بل كان حضنها خالصاً لأقدام أهالي المدينة "المخنوقين" اللاجئين منهم والمثقفين ..إلخ.
عريف الحفل الإعلامي سائد السويركي الذي كان منمقاً في الكلمة الافتتاحية؛ عبر في بعض نصوصه الأدبية عما يجول في خاطر الكثير من الحاضرين، فردات الفعل من الجمهور بمختلف فئاتهم العمرية والطبقات الاجتماعية والثقافية أخبرت بذلك.
صعد على السجادة الحمراء في اليوم الأول أعداداً غير متوقعة، للدرجة التي لم تتسع أضخم قاعة في غزة لأن تستوعب للحاضرين، حيث تربع العدد منهم أمام المقاعد على الأرض بانتظار دقيقة الافتتاح بشغفٍ كبير.
"لربما جاءت هذه الجماهير لتنبش هناك عن وجه الحب والحياة والموسيقى لغزة، فهي ليست للموت فقط"، همست إحدى السيدات في أذن صديقتها المحجبة وهن يجلسن في الصف الثاني من الحضور.
ويستمر مهرجان السجادة الحمراء، والذي يعرض أفلاماً عن حقوق الإنسان لخمسة أيام متواصلة، سيتم من خلالها عرض 12 فيلماً روائياً و17 فيلماً وثائقياً و30 فيلماً قصيراً بين روائي ووثائقي و7 أفلام رسوم متحركة من جميع أنحاء العالم.
طلب عريف الحفل من الجمهور راجياً الصمت، لكي يتسنى للفتاة سارة عقل، أن تسمعهم مقطعاًمن معزوفتها الجديدة على البيانوقبل مشاهدة فيلم "يا طير الطاير" الذي يتناول حياة الفنان الفلسطيني محمد عساف، الذي اختاره القائمون على المهرجان في دورته الثانية ليكون فيلم الافتتاح.
أبدت سارة، التي تعد من الفنانين الأقلاء في غزة ممن يضربون أوتار تلك الآلة الموسيقية انزعاجها من ضوضاء المكان، بعد انتهائها من معزوفتها الأولى، وقبل أن تبدأ بالثانية طلبت من الجميع الصمت بلغة الأديب والفنان،عادت لتجلس على مقعد الآلة الموسيقية ضربت الأوتار بجمال ثم انتهت؛ كان التصفيق حارا، وأسعدت الجميع.
في آخر لحظات الفقرة الافتتاحية وقبل عرض الفلم، صعد مدير المهرجان المخرج الفلسطيني خليل المزين وألقى كلمته؛ رغم أنها كانت عامية ارتجالية لكنها وصلت آذان وقلوب من حضر.
أبدى المزين سعادته في الحضور الضخم؛ فيما اعتذر لهم عن إقامة المهرجان في مكان مغلق، مبيناً بطريقة أو بأخرى أنه كان يحاول جاهداً أن يكون المكان في الهواء الطلق، لكن ظروف غزة والقائمين فرضت ذلك عليهم.
وقبل ثوانِ من دعسه على زر التشغيل لفيلم "النجم .. يا طير الطاير"، أنهى كلمته مرددا عبارة ( بدنا نتنفس).
كانت الأضواء المعلقة في سقف المبنى، تشوش على إضاءة شاشة العرض، في بداية الأمر استاء بعض الحاضرين ولكنهم لم يبرحوا المكان، انطلق فيلم عساف؛ كان الصمت جميلاً في المكان.
مرت ساعة .. بعض الحاضرين والأزواج بدؤوا بمغادرة المكان متذميرين من بعض الخدمات المقدمة في المكان من ناحية الصوت الخافت للفيلم الذي جعل من الصعب على من كانوا في الصفوف الأخيرة للقاعة الكبيرة أن يسمعوه بوضوح، إضافةً إلى الإضاءة التي استمرت طيلة الساعة الأولى من العرض وشوشت الرؤية على الحاضرين، والجو الحار كذلك.
على مقربة .. يجلس وفد إيطالي ثقافي متفرجاً بإمعان؛ رغم أن الفيلم لم يكن مترجم لا باللغة الانجليزية أو أي لغةٍ أخرى إلا أنهم لازموا المكان.
لكن ما يدعو للقلق أن رسالة الفيلم ومن المحتمل أيضا رسالة المهرجان ككل لم تصل للزوار أو الحاضرين الأجانب؛ فالحاضر الغائب لا يسمن ولا يغني من جوع، خاصة لو أراد ذاك الوفد إعداد مادة إعلامية أو نصية عن المهرجان بأهدافه ووجهته.
في حين خرج الشاب أحمد وزوجته شيماء تاركين الفيلم عند منتصفه : "شعرنا بالملل، فعدم ترابط أحداث الفيلم، كذلك لانسلاخ عن واقع عساف والمغالطة الكبيرة في حياته الشخصية لم يحفزنا على الإكمال".
"سنعود إلى مشاهدة الفلم الثاني وربما الثالث من مهرجان السجادة الحمراء، فإن أجبرنا على العيش في الوجه البائس لغزة، فعلينا جاهدين احتضان وجه الحب والصفاء والنقاء والموسيقي والفن لغزة."، تختم شيماء.
كن أول من يعلق
تعليق جديد