يبدأ رمضان بلترٍ من المياه أو اكثر من ذلك بقليل، تجعلك تستعجل الامام لينهي دعاء الفجر، حتى ترجع و (تفك زنقتك).

وبعد ذلك تستطرد وقتك بالكثير من القرآن والذكر، ففي أول ساعات الصيام تكون الأكثر حماسا والأعلى همة، فمن الممكن أن تنهي ثلاثة اجزاء من القرآن الكريم، قبل شروق الشمس.

تصلي صلاة (الضحى) للمرة الأولى خلال الشهر، ومن الممكن ان تكون المرة الأولى فعلا، وبعد أن تنهي تلك الشعائر الدينية، تذهب إلى فراشك لتنال قسطا من النوم، حتى الظهر على أضعف تقدير، فيفاجؤك أحد عمال شركة الكهرباء الأوسع صيتا، و(بينزل السكينة)، ومن هذه اللحظة وبشتيمتك المعتادة، تفقد جزءا من صيامك.

 تنام وتفيق مراراً، ويتعّرق جبينك وأنت تحاول أن تغرق بالنوم لا بالعرق، فتفشل بذلك، ولن تشتم الصيف، ستظل تشتم (الشركة)، وعندما تحاول النوم مجتازا حواجز المنع الكثيرة يأتي صوت من بعيد ينادي (بعشرة شيكل كرتونة البيض)، هذا الصوت كفيل بأن يمنحك ردة فعلٍ تذهب صيام الشهر من أول دقيقة.

وبعد سويعاتٍ من النوم المتقطّع ، توقظك (زوجتك، أمك، أو شقيقتك)، المهم أنها أنثى، وتسألك "شو بدك تاكل اليوم؟؟؟عشان تروح عالسوق كمان"، برغم استياءك من الأجواء، تجيبها "كل عام وانتي بخير"، لكنها تكمل حديثها وتعطيك ورقة بيضاء، مكتوب عليها تفاصيل فطور اليوم، فعندها تعرف أن ديمقراطية سؤالها السابق، كانت مجرّد فخ ذكي حيث أنها حددت ماهية الفطور سلفاً .

تستغرب من أصوات باعة السوق، وتظن السوء بهم، فتتحاور بينك وبين نفسك "حض الله هدول مهما صايمين"، فيأتيك الشعور الايماني وتقول "اللهم اني صائم"، وتمضي في السوق، وتعيد العبارة الايمانية السابقة عندما تمر ببائع الخروب المُثلج، وباعتقادي الشخصي، يجب أن تغض البصر عنه.

خلال اليوم تعود مرتين او ثلاثة الى السوق، تتسوق في المرة الأولى، وتصور(سناب شات)في المرة الثانية، وتذهب مع صديق ليشتري حمص في المرة الثالثة.

وفي وقت بعد العصر والاقتراب من المغرب، تشعر وكأنك لا تنتظر موعد محدد للآذان، بل تنتظر شيء أكثر استحالة، كفتح معبر رفح، أو انهاء الحصار، أو حتى خبر مد الكهرباء على مدار الساعة وبلا انقطاع.

تحاول الهروب من الوقت إلى مواقع التواصل الاجتماعي، فتجد (التايم لاين) مليء بصور الأكلات والوصفات، تشعر وكأن هناك دول تضع خططا لتنهي صيامك قبل الآذان.

تتنازل عن غرورك هروبا من (السوشيال ميديا) إلى المطبخ، فتجد خلية عمل منظمة تهتم بأدق التفاصيل التي من ضمنها ألا تجعلك تمكث في المطبخ أكثر من دقيقة.

يأتي إليك أحد إخوتك أو أبنائهم من مبتدئي الصيام، فيسألك الأسئلة المعهودة " الإبرة بتفطّر؟؟؟، طب الكحل بيفطّر؟؟؟، طيب القطرة، القطرة بتفطّر؟؟"، تتحاور معه، وتشعر في هذه اللحظة بأنك "بيت الفتوى"، وتشرح له هذا وذاك، ولكنك تريد الهروب من أسئلته قليلا.

تستسلم أخيرا لترتيب مكان السفرة، وتجلس بجانبه وتتنظر طويلا حتى يأتي أوّل طبق، وتبتسم ابتسامة النجاة، ولكنك عندما تنظر إلى الساعة تجد أنه متبقي لرفع آذان المغرب عشر دقائق، والعشر دقائق هذه هي الوقت الأطول في النهار، بل في العام كله، وهي كفيلة حسب تقديرات سياسية بهزيمة جيش ما، او بإيقاف الحرب الباردة بين القطبين المتنازعين.

في هذا الوقت تنتظر الآذان، وتكون باستعداد للإفطار حتى وإن أتى التكبير من أبيك المدخن (المعصب)، الذي يريد أن يولّع السيجارة أو بالعائلة بالكامل، فتسمع صوت الأم يقول "استغفروا الله، وادعولكم دعوة حلوة .. ربنا بيستجيب"، فلا تجد يخرج من فمك سوى دعوة "يا رب يأذن الأذان".

ما إن يقول (الله اكبر)، لا تنتظر التأكد من مصدر الصوت، فتبدأ بالشرب ثم الأكل والأكل والأكل، وما إن قال المؤذن (لا اله الا الله)، تكون غير قادر على اصدار نفس آخر.

وبعد محاولات حثيثة من الوالدة(أطال الله عمرها)، تحفزك للذهاب إلى صلاة التراويح، تذهب، وأثناء الصلاة  لا تستطيع أن تضع يديك على بطنك، فتخرج من المسجد متجها للبيت، وتحاول الاستمتاع مؤقتا بإحدى المسلسلات الرمضانية الجميلة، وبعد الدخول في حيثيات المسلسل، يأتي فاصل إعلاني، يتحدث عن المشروبات والحلويات الرمضانية، التي لا تجذبك سوى في النهار، فهنا تستسلم للنوم.