لم تبدأ صحيفة القدس المحلية مسيرة التطبيع الإعلامي مع القادة الإسرائيلين من اليوم أو الأمس كأول وسيلة إعلامية تدخل هذا (الوحل الوطني) ، الحق أن الإعلام الإسرائيلي استطاع اختراقنا منذ زمن .
وليس آفيخاي أدرعي الناطق باسم الجيش الإسرائيلي الذي استطاع خلال السنوات الأخيرة صناعة نجوميته الخاصة باحترافية عالية بين من يفترض أنهم أعداؤه، إلا نموذجاً حياً من منهج مدروس بدأ منذ كان العرب يستمعون إلى إذاعة صوت إسرائيل ولا يثقون إلا بأخبارها .
بالعودة إلى صفحة " آدرعي " الشخصية في العالم الأزق ( فيسبوك) هناك تتزايد التعليقات والإعجابات التي أكثر أصحابها من الفلسطينين، جمهور عريق بناه صاحب (العربية المكسرة) من خلال ما يقدمه من مستوىً إعلامي ظريف ومفاجئ في أحيانٍ كثير، فتارة ما يطل على متابعيه بأبيات شعر عربية قديمة يحكيها بلكنة مثيرة للسخرية، وأخرى بالتهنئة بالمناسبات الدينية التي يعمد فيها للتكلم ببعض الآيات القرآنية، في خطوات مدروسة بعناية شديدة، للوصول إلى المتابع – الساذج- الذي يهرع سريعاً نشر " قفشاته " !
لاحقاً أصبح أفيخاي أدرعي إحدى أيقونات التطبيع الإعلامي التي أدخلتها في البدء قناة الجزيرة القطرية إلى بيوتنا قصراً، ليصبح أمر استضافته في وقتٍ لاحق مستصاغٌ لدى من يحاول استعراض بطولته من الصحافيين، عبر اهانة ضيفه وازدرائه، فيما تزيد العدوى في شبكات التواصل الاجتماعي، فيستعرض البعض مغامراته في التحدث والمزاح معه !
نبأ برس تحاول من خلال هذا التقرير استعراض مجموعة من الجدليات حول الاستراتيجة الإعلامية المناسبة في التعاطي مع الاحتلال الصهيوني .
بعد انتهاء حرب الأيام الثمانية عام 2012 منعت الحكومة الفلسطينية في غزة الصحافيين من التعاطي والعمل مع وسائل الإعلام الإسرائيلية، وأوعزت إلى مختلف شركات الإعلام بالقرار، وطبقت ذلك فعلياً بإغلاق شركة " لينس " التي يديرها شمس شناعة المدير السابق في وكالة رويترز العالمية، والذي استشهد ابن أخيه المصور الصحافي فضل شناعة في غارة استهدفت سيارته المميزة بشارات المهنة التي تقرأها أجهزة استكشاف الطائرات والدبابات جيداً.
كما منعت كل من الصحافيين معين الحلو وصالح الشافعي وسامي العجرمي من مواصلة عملهم ضمن المؤسسات الإعلامية الإسرائيلية التي يعملون لصالحها، في ذاك الحين أصدرت نقابة الصحافيين الفلسطينيين بياناً استنكرت فيها الحادثة بوصفها تعدياً وتقييداً لحرية المهنة.
تحسين العطل نقيب الصحافيين في غزة اعتبر أن العمل المهني مع المؤسسات الإسرائيلية لا يعتبر تطبيعاً، وأن نقابته لديها لجنة لمكافحة التطبيع ، ورأى في حديث لـ نبأ برس أن النقابة لا تعتبر العمل مع الوسائل الإسرائيلية تطبيعاً إذا ما التزم الصحافي الفلسطيني بالقيم الوطنية، وعند استفسارنا عن فرض المؤسسات الإسرائيلية لمصطلحات معينة على الصحافي، قال أنه مع مبدأ العمل، طالما لم يتعدى الحدود الوطنية وأكد أن الصحافيين الذين يعملون في تلك المؤسسات مشهود بوطنيتهم.
وبدوره أكد سامي العجرمي المراسل السابق لصحيفة معاريف الإسرائيلية في غزة والذي ظهر مرات عدة على الشاشات الإسرائيلية، أنه كان يستخدم مصطلحات محايدة وليست منحازة لأحد وأن رسالته لم تكن تمس بوطنيتة مطلقاً، مضيفاً : " كنا نقول مثلاً قتل طفلين واغتال الجيش الإسرائيلي مسلحين "
وحول تحوير الإعلام الإسرائيلي للرسالة الصحافية التي ينتجها أجاب : موادنا كانت تنشر كما هي ودون أي تعديل، وعندما وقعنا عقود العمل مع تلك المؤسسات كان شرطنا الأول عدم استخدام المصطلحات الإسرائيلية وعدم تبنى الرؤية الإسرائيلية "
وفي هذا السياق يشير نقيب الصحافيين أن الرسالة الصحافية التي ينتجها مراسلو المؤسسات (الإسرائيلية ) تتطابق في مصطلحاتها مع رسالة بعض القنوات العربية، إن لم تكن بعض القنوات العربية منحازة إلى الكيان أكثر من انحيازها للفلسطينيين واستشهد بذلك بقناة العربية ومجموعة الـ mbc السعودية والتي تنعت الشهيد بالقتيل والاستشهادي بالانتحاري !
وقبل نحو ثلاثة أسابيع رفعت المملكة السعودية الحظر عن صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية ليتمكن السعوديون من الإطلاع على منشورات الصحيفة الصهيونية، وقالت الصحيفة إنه بعد مرور سنوات على حظر موقعها في أيار/مايو 2013 تم رفع هذا الحظر.
ويأتي رفع الحجب عن موقع الصحيفة الصهيونية فيما تستمر السعودية في حجب على الدخول إلى مواقع إخبارية عربية متعددة كموقع "العربي الجديد" وجريدة "الأخبار" اللبنانية وموقع قناة المنار وغيرهم.
كسر الحاجز
يسجل في إطار كسر الحاجز بين الشخصيات الإسرائيلية والإعلام العربي والمحلي، أن قناة الجزيرة القطرية كانت من أوائل القنوات العربية التي استضافت شخصيات إسرائيلية رفعية المستوى على شاشتها، ففي عام 2002 عزمت القناة القطرية على إجراء مقابلة تلفزيونية مع وزير الحرب السابق ( آريل شارون) الذي يثير اسمه في ذاكرة الفلسطينيين واللبنانيين مجازراً قتل فيها عدد كبيراً من المدنين بيديه، المقابلة مع شارون لم تبث لظروف ما، لكنها بثت لاحقاً مقابلات مع شمعون بيرز ما أثار ردود فعلٍ فلسطيينة وعربية عنيفة .
لم يقف التطبيع الإعلامي عن حدود العمق العربي، بل تخطاه إلى المستوى المحلي، إذ استضافت ريم العمري مذيعة " حلا أف أم " في وقت سابق من عام 2014 الناطق باسم الجيش الإسرائيلي ( آفيخاي أدرعي) وخلفت بذلك ردود فعل صحفيةٍ مستنكرة ، حيث علقت نقابة الصحافيين الفلسطينين في بيان لها : " إنها فوجئت صباحاً من استضافة أدرعي عبر إذاعة حلا أف أم ، وأضافت أن" أدرعي استغل هذا الأمر لبث سمومه وتبرير حالة القمع المتواصلة بحق الشعب الفلسطيني".
جدوى الصداقة الإعلامية
سنةٌ حسنة ! هذا ما وصف به "أدرعي" استضافته على قناة معاً التي يديرها الصحافي المعروف ناصر اللحام ، حيث أبرق بشكره لمعاً على اقتفاء السنة الحسنة التي بدأتها الجزيرة ، وبدا الرجل سعيداً للغاية ، إنها المرة الأولى التي تستضيفه بها قناة تلفزيونية فلسطينية مشهورة !
أصبح له اليوم أن يقول للفلسطينيين ما يشاء ، أصبح له أن ينشر رسالة الجيش الصهيوني بطريقة أكثر مباشرة وتأثيراً ،ولكن ما العائد الوطني لهذه الاستضافات المتكررة ؟
الخبير العسكري اللبناني أمين حطيط رأى أن كسر الحاجز العدائي بين الخصمين، عادة ما يستفيد منه الطرف الأقوى في التأثير على القاعدة الشعبية والجماهيرية للطرف الأخر، وأوضح حطيط في حديثه لـ نبأ برس أن الأصل في علاقتنا مع الإحتلال الإسرائيلي هي العلاقة العدائية المطلقة " لا نسمع منهم ما يريدون، لا نستقبلهم ضيوفاً في صحفنا" هذه العلاقة تحافظ على هيبة القضية، وتقلل من فرص التأثير والتأثر بين الخصوم .
واعتبر حطيط أن أي تعامل مع (اسرائيل) هو انتصارمعنوي لها، حيث ينقلها من عزلتها في المحيط العربي الذي يرفض وجودها، وخطورة الأمر كما يرى العميد حطيط تكمن في أن الإعلام هي أداة تواصل مع الجمهور، وأن أثر ذلك يتعلق بالوصول إلى القاعدة الشعبية التي تعبر عن حقيقة الموقف العربي، أكثر مما يعبر عنه المستوى الرسمي مهما بلغ مستوى تطبيعه وعلاقاته .
مؤخراً، قطع مستوى التطبيع الإعلامي مراحل متقدمة، بعدما استضافت جريدة القدس الفلسطينية المحلية وزير الحرب الإسرائيلي آفيغدور ليبرمان على أحد صفحاتها في حوار مطول استغله الرجل المشهود بتاريخه الإجرامي في تمرير رسائل واضحة، هدد فيها غزة بحرب جديدة، فيما لم يتصرف (المحاور) بروح مهنية أو أوطنية، فلم يواجهه بجرائمه تجاه الشعب الفلسطيني، كما يوجه أي سؤال من الممكن له أن يحرج ضيفه ، إنما اكتفي باستعراض الآراء الإسرائيلية في مخلتف الشؤون، الأمر الذي أدانته نقابة الصحافيين الفلسطينين واعتبرته سقوطاً مهنياً ووطيناً من صحيفة مشهودٌ بتاريخها المهني، فيما أعلن الإعلام الحكومي التابع لحركة حماس في غزة أن يدرس إمكانية منع الصحيفة من النشر والتوزيع في القطاع !
من وجهة نظر وطنية، ليست " القدس" سوى جزء من عدد كبير من الوسائل الإعلامية التي أضحت ( بوقاً) إسرائيلياً صرفاً، وهنا يحضر التساؤل عن السبب الحقيقي الذي يقف وراء موجة السخط على صحيفة القدس ، هل شخصية ليبرمان بكل ما تحملها من رمزية، أم هو مبدأ التطبيع الإعلامي، فإن كانت القضية مبدئية بشكل عام، فالحق، أن القنوات والصحف التي ينبغي إغلاقها كثر !
كن أول من يعلق
تعليق جديد