لا زال الغموض يحيط بالجبهة الشمالية رغم ما يبذله جيش الاحتلال من جهود أمنية ومخابراتية في اطار الاستعداد للمواجهة القادمة مع المقاومة اللبنانية، القادة العسكريين في (إسرائيل) يصرحون بشكل دائم عن خطورة ما يمتلكه حزب الله من قوة عسكرية،  كمصانع الأسلحة التي تروج المؤسسة العسكرية في الكيان بأن الحزب قد بناها مؤخراً برعاية ايرانية، وأيضاً ما يتمتع به مقاتلوه من أداء عسكري عالٍ، خصوصاً بعد التجربة  في سوريا، وما دلل عليه مؤخراً تمكن مقاتلو حزب الله من تحرير مناطق واسعة في جرود عرسال اللبنانية من قبضة جبهة النصرة، إحدى أكثر التنظيمات الأصولية المتشددة في سوريا خلال خمسة أيام فقط.

هذه المعطيات نقلت استراتيجية الاحتلال في التعاطي مع المقاومة اللبنانية من تغيير الوقائع بالقوة ودون سابق انذار، إلى اللجوء إلى السبل الدبلوماسية والقانونية، إذ تقدمت دولة الاحتلال مؤخراً بشكوى لمجلس الأمن أبدت فيها انزعاجها من عمليات التشجير التي تقوم بها جمعية "أخضر بلا حدود" المقربة من "الحزب"، على حدود فلسطين المحتلة، واعتبرتها مقدمة لشبكة من نقاط المراقبة الأمنية، كما هدد قادة الاحتلال بتدمير مصانع الأسلحة المتطورة التابعة لحزب الله.

المحلل السياسي اللبناني أنيس النقاش رأى في شكوى الاحتلال لمجلس الأمن دليل عجز وتراجع لحضوره في الشرق الأوسط، وقال "ان العدو الجبار الذي كان يهدد الشرق الأوسط كله بات يخاف من بضع أشجار على الحدود بدعوى أنها تهدد أمنه".

يضيف النقاش لوكالة "نبأ برس" بأن الاحتلال يعتقد بأنه يحق له ما لا يحق لغيره، متسائلا: كيف يجوز للاحتلال أن يعترض على زراعة الأشجار جنوب لبنان في الوقت الذي يسمح فيه لنفسه بإقامة جدران خرسانية مسلحة على الجانب الآخر من الحدود.

ويشير المحلل السياسي إلى أن كيان الاحتلال يعتدي على لبنان ليل نهار من خلال التجسس والكم الهائل من أجهزة المراقبة التي ينصبها على الحدود، ثم لا يحتمل زراعة الأشجار على الجانب الآخر ما يدلل على خشيته الكبيرة من قوة المقاومة في لبنان وما يمكن أن تفعله في أي مواجهة مقبلة.

بدوره، يرى الخبير العسكري اللبناني أمين حطيط أن (إسرائيل) باتت تسلك استراتيجية الدفاع ولذلك تلجأ لبناء الجدر الخرسانية المسلحة على طول الحدود بين فلسطين المحتلة ولبنان.

ويقول حطيط لـ "نبأ برس" إن (إسرائيل) وصلت لقناعة مطلقة بأن العهد الذي كانت تمتلك فيه قرار الحرب الهجومية ذهب بلا رجعة، بعد هزيمتها في لبنان وخيبة أملها في سوريا وبعض المتغيرات الدولية.

يوضح الخبير العسكري بأن (اسرائيل) تعلم ان المصلحة الامنية تفرض عليها ان لا يكون هناك حواجز او أغطية طبيعية او صناعية في مواجهة مراكزها الدفاعية على الحدود، ما يدفعها لمحاولة منع اللبنانيين من تشجير أراضيهم بالشكل الذي يناسبهم.

ويبين أن قيادة الاحتلال تخشى التشجير كونه يشكل غطاء للإنسان المتحرك ولا يمكِّن المواقع الاسرائيلية من مراقبة ما يجري خلف الاشجار وفي الغابات، مشيرا إلى أن لبنان كشعب ومقاومة لا يعيرون اهتماما للمطالب الاسرائيلية التي تعتبر خارج الاطار الشرعي والقانوني.

وحول ما يثيره الاحتلال من انشاء حزب الله مصانع أسلحة متطورة في لبنان وما رافقها من تهديدات صرح بها قادة الاحتلال على رأسهم وزير الحرب أفيغدور ليبرمان، اعتبر "حطيط" أن هناك غايتان للاحتلال خلف تلك التهديدات.

  الأولى تتعلق بزرع بذور الرعب في صفوف الجنوبيين لتحملهم على الهجرة او الابتعاد عن حزب الله ومناصرته، أما الغاية الثانية وهي الأخطر، تتعلق بتمهيد البيئة الدولية والعالمية لارتكاب (اسرائيل) جرائم حرب وإبادة لبعض القرى اللبنانية ضمن نظرية "الضاحية"، بمبرر أن هذه القرى تحتضن مصانع اسلحة متطورة واستهدافها دفاع عن النفس.

يؤكد حطيط بأن (اسرائيل) تعلم انها لن تبلغ اهدافها لأنها تدرك المعادلة التي رسمها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله جيدا ولن تنساها وهي معادلة البيت مقابل البيت والقرية مقابل القرية والمدينة مقابل المدينة والمطار مقابل المطار.

يبيّن بأن هذه الاستراتيجية وضعتها المقاومة ولن تتراجع عنها، وإن أرادت (إسرائيل) أن تلحق دمارا كبيرا بمناطق واسعة في لبنان فعليها أن تنتظر رد فعل المقاومة بالصيغة والطريقة نفسها.

وبالعودة للمحلل السياسي أنيس النقاش فهو لم يستبعد من الناحية العملية وجود مصانع للأسلحة في لبنان، مستغربا: "كيف يحق لإسرائيل ان تعترض وهي تشتري وتصنع كافة اسلحة الدمار؟".

واعتبر النقاش تسلح المقاومة اللبنانية بكل أنواع الأسلحة الرادعة للعدو والتي تساعد على حماية اللبنانيين والدفاع عنهم حقا للبنان لا يجوز لأحد الاعتراض عليه.

وكان وزير الحرب الصهيوني، أفيغدور ليبرمان، صرح بأن (إسرائيل) على علم تام بإنشاء حزب الله مصانع أسلحة تحت الأرض في لبنان، مهددا بأن (تل أبيب) سوف "تفعل ما يجب القيام به".

وبحسب "هآرتس" العبرية، أكد ليبرمان أن تلك المصانع يجري بناؤها بمعرفة إيران، واصفا ذلك بالحدث الكبير الذي لا يمكن لـ(إسرائيل) تجاهله تحت أي ظرف من الظروف.