ملائكة الرحمة لقب يطلقه الناس على الأطباء والممرضين بغض النظر عن صحته لغويا من عدمه بل يشمل أيضا جميع العاملين في القطاع الصحي فما ان تدخل المستشفى او اي قطاع من قطاعات الصحة سوف ترى تلك الطواقم تجول المكان بلباسها الابيض تتنقل بين الأقسام المختلفة لتلك المستشفيات تخفف آلام المرضى -خلية نحل دائمة الحركة - تلك هي مستشفياتنا كما نراها في خيالنا تلك الصورة النمطية التي تبعد قليلا او كثيرا عن الواقع .
يبدا المشهد من أحد المستشفيات ببوابة رئيسية مغلقة بجنزير وأقفال منذ صباح اليوم وحتى الساعة العاشرة أو أكثر وتحاول دخول المستشفى من بوابة أخرى فتجد عليها حراسة أمنية من أفراد الشرطة تمنع دخول أي شخص فأول سؤال تسأل عنه -على وين رايح - فتخبره بوجهتك فيقول لك مباشرة: ممنوع وكأنك على وشك دخول موقع أمني محصن ولكي تدخل المكان اما ان تأتي محمولا أو مصابا أو أن تستطيع ان تقنع رجال الأمن بأهمية دخولك وانك لست زائرا وانك مريض أو مرافق لمريض يحتاجك وأينما حاولت التسلل من البوابات المختلفة ستصطدم برجال الأمن … ولا أعتقد ان من مهام رجال الامن داخل المستشفى منع المرضى ومرافقيهم من الدخول وانما وعلى حد علمي ان لرجال الامن مهام أخرى … فمن المسؤول عن تسلط الامن على المواطنين داخل المستشفى ؟ سؤال ينتظر جوابا !
وعلى فرض انك دخلت فما ان تدخل تلك الأماكن ترى تلك الطواقم الطبية وقد توشحت بالسواد ليس حزنا على ما تعانيه مستشفياتنا من قلة الامكانيات او نقص الدواء والمستلزمات الطبية الخاصة بالمستشفيات لا بل لصدمتك من زوال تلك الصورة من مخيلتك بل تصل بك في بعض الأحيان لحد نسف تلك الصورة ... معاملة قاسية منذ دخولك المستشفى حيث تفاجئ برجال الأمن وقد اغلقوا الابواب وحرست برجالهم وتمنع أو تسمح بالدخول ولو قدر لك الدخول فتجد من أطبائها المعاملة القاسية ان لم تمتلك المعرفة (الواسطة كما نعرفها ) واهمال من ممرضيها عدم اكتراث من إدارييها وانعدام الرقابة من مسؤوليها تلك هي الصورة في المستشفى
يدخل المريض يبدأ مرافقوه بعملية بحث من مكان لآخر عن طبيب أو ممرض كي يسعف مريضهم او يتابع حالته وبعد البحث الحثيث والعثور على من يجيب استغاثة المريض يبدأ الحوار هل عملت له تذكرة وكأن التذكرة أهم من حالة المريض أو ما يعانيه . تبدأ رحلة المريض منذ تلك اللحظة بين أروقة المستشفى بين سحب عينات الدم التي يقوم بها طلبة كليات التمريض المتدربين الذين يفتقرون للخبرة وصولا لسحب عينات غير كافية للفحص المخبري أو تلوث تلك العينات وقد حدث ذلك مع أحد الحالات المرضية حيث تم سحب عينة مخبرية رفض المختبر استلامها بحجة أنها غير كافية للفحص وطلب اعادة سحب العينة مرة أخرى ليتم فحصها والعينة كانت لطفل عمره يوم واحد فقط وعند تحليل العينة اعطيت نتائج خاطئة. حيث اضطر الطبيب لسحب عينة جديدة للمرة الثالثة وفحصها خارج المستشفى ليحصل على نتيجة دقيقة يؤكد صحتها الطبيب .
وحالة أخرى تدخل المستشفى لقسم الولادة حيث تم فحص السيدة وتم إدخالها إلى ما يسمى كشك الولادة وتبدأ عملية المخاض لتلك السيدة ويتم ادخالها غرفة الولادة وتبدأ معاناتها عندما سمعت الطبيبة تقول للممرضة في الغرفة ليش هذه الأدوات هنا هذه الأدوات ( وسخة ) ارفعيها من هنا و تبدأ تلك السيدة بالقلق على صحتها وصحة مولودها وبعد الولادة تخرج تلك السيدة من كشك الولادة لتبدأ رحلة جديدة في مكان آخر داخل المستشفى قسم الحضانة حيث بدأت مرحلة علاج لطفلها المولود حديثا حيث تم اكتشاف تلوث لدى المولود فهل يا ترى من أين جاءه التلوث؟
وحالة أخرى دخلت لنفس كشك الولادة وقررت الطبيبة المناوبة عدم استقبال الحالة لأنها غير جاهزة للولادة وعليها العودة في يوم آخر وتكرر هذا الاجراء أكثر من مرة مع العلم ان تلك الحالة كان يبدو عليها آلام المخاض ومع اصرار المرافقين لها ومن شدة الألم تم قبولها بعد مرور ساعات لدخول القسم ومن ثم أدخلت الحالة لغرفة الولادة لتضع تلك السيدة مولودها بحالة حرجة جدا وتم نقله للحضانة وبعد ساعة توفي المولود فهل السبب اهمال في قسم الولادة والسؤال الأهم من قتله؟ ومن يتحمل المسؤولية؟ وهل سيفتح تحقيق بالحادث؟ وهل سيحاسب الجناة؟ من المسؤول عما حدث ؟ أسئلة كثير تنتظر من يجيب عنها
بانتقالك إلى قسم حضانة الاطفال الذي هو عبارة عن غرفة واحدة بها عدد محدود من حضانات الاطفال لا تصل إلى العشرة ويعاني القسم من ضغط كبير من كثرة استقباله للأطفال حديثي الولادة الذين يدخلون الحضانة فور ولادتهم لأسباب متعددة منها تلوث ومنها اختناق اثناء الولادة وغيرها … ويعمل القائمون داخل القسم بأقصى طاقاتهم من اجل انقاذ تلك الارواح البريئة وتم الاستعانة بغرفة مجاورة لا تتجاوز مساحتها ثلاثة أمتار وضع بها خمسة أسرة للأطفال المرضى وكراسي بلاستيكية لمرافقيهم وهم أمهات الأطفال اللذين خرجوا من قسم الولادة وبحاجة للراحة والرعاية والمحزن هنا ان بجانب تلك الغرفة الصغيرة تقع غرفة اطباء لقسم آخر لا يداوم بها إلا عدد من الاطباء لا يزيد عن أربع أطباء ومساحتها تتسع لأكثر من عشرة أسرة وتتسع لمرافقيهم وفي غالب أوقاتها مغلقة والأطباء خارجها ولزيادة المعاناة أقفل الحمام المجاور للغرفة وأصبح خاصا بالأطباء وعلى السيدات الخارجات من ألم المخاض استخدام الحمام في الطابق الآخر.وتتوالى الحالات قدوما للقسم حتى أصبحت بعض الأسرة عليها طفلين يقتسمانه واي رعاية تلك أليس من المحتمل أن تنتقل العدوى من طفل لآخر؟ والكل يسأل من المسؤول؟ وأين المسؤول ؟ أسئلة لا تلامس أسماعهم وكما قيل(( أسمعت لو ناديت حيا ... ولكن لا حياة لمن تنادي ))
فقسم الحضانة يحاول ويحاول التعاطي مع الواقع المؤلم الذي وجد فيه وقد اضطر الاطباء في هذا القسم بإعطاء بعض الحالات المرضية الاقل خطورة ما يسمى -اذن علاج - حيث يذهب الطفل مع والديه للمنزل ويعود للقسم لأخذ جرعة العلاج حسب تعليمات الطبيب وهنا تكمن مشكلة أخرى حيث ان هناك أطفال ممن اعطي لهم اذن خروج عاد للحضانة وقد تراجعت حالة أبنائهم الصحية وساءت الامور أكثر… فقسم الحضانة القديم قيد الترميم والتطوير وهذا الأمر جيد ولكن كان من الأجدر ان يتم ترتيب مكان مناسب للحضانة يلبي احتياجات القسم الذي لا تنقطع الحالات عنه قدوما من قسم الولادة والذي في أبسط وصف لما يجري داخله انها مجزرة وجريمة كما يراها الناس.
وفي مستشفى آخر من الوطن دخل مريض للمستشفى من أجل استكمال الرعاية الطبية له بعد ان أجرى عملية "فتح شريان في القدم" في مستشفى خاص تكللت بالنجاح. وبعد العملية تم اعطائه نصف مل روزوفين في الوريد، فحدث معه حساسية كادت ان تقتله. ولكن الاطباء اعطوه على الفور حقنة مضادة لإلغاء مفعول الروزوفين وانتهى الموضوع على خير. ولحاجته للرعاية تم تحويله لمستشفى حكومي من أجل المتابعة وأن يبقى يوم تحت الملاحظة وكتبوا على تذكرة المريض ممنوع اعطائه روزوفين. وبينما كان المريض برفقة أقاربه داخل المستشفى حضر الممرض المناوب ومعه حقنة روزوفين 5 مل ليضعها في الوريد ،واثناء اخذها قال له المريض - خلي بالك عندي حساسية -ولم يكمل كلامه إلا وفاجأه الممرض بإعطائه الحقنة في الوريد فدخل في غيبوبة ...
وهنا أخبره ذوو المريض بأنه يعاني من حساسية مفرطة بسبب الروزفين وأنه ممنوع من أخذه ، فصدم الممرض وطلب حقنة مضادة لإبطال مفعولها في القسم والاقسام المجاورة فلم يجد.
وابلغ ذويه بالموضوع ليتم شراء الحقنة من صيدلية خارج المستشفى ووصلت بعد نصف ساعة وخلال هذه المدة اخذت الحقنة الاولى مفعولها ودمرت خلايا المخ بالكامل وبقي المريض في غيبوبة كاملة بدون حراك توفي على أثرها بعد 3 أشهر . فمن المسئول؟ أو قل أين المسئول ؟
وفي حادث آخر لاحد الأشخاص اعرفه عن قرب قام المريض بالتوجه لعيادة طبيب لإجراء فحص حيث كان يعني المريض من صداع شديد وبعد الفحص اخبره الطبيب ان يعاني من الجيوب وانها بحاجة لغسيل وبعد موافقة المريض على اجراء عملية غسيل الجيوب في عيادة الطبيب الخاصة عاد المريض لمنزله ليبدأ معاناة جديدة حيث ازداد الصداع وبدأت عينه بالتورم ومع شدة الألم تم نقله للمستشفى وتم ادخاله القسم بدأ رحلة علاج لم تتجاوز الأسبوعين وكانت حالته تسوء يوما بعد يوم وتوفي على اثرها المريض وقام اهله بطلب تشريح الجثة والوقوف على الآثار المسببة للوفاة وكانت النتائج بان المريض توفي أثر التهاب حاد في مقدمة المخ وتلف بالعين ولم يذكر التقرير سبب الالتهاب وكيف وصل للمخ والعين .. وتقدم الاهل بالشكوى للجهات المسئولة من أجل احقاق الحق وانصافهم ومحاسبة الطبيب فلم يجدوا منصفاً وطويت صفحة المريض كما طويت صفحات سابقة فأين المسئول؟
وأذكر حالة قدمت للمستشفى وهي تعاني من إصابة عمل في كف اليد حيث كانت اليد بحالة سيئة للغاية وبعد متابعة حثيثة وبحث متواصل عثر على الطبيب وبدأ متابعة الحالة وهذا كله بعد ان تم تسجيله بتذكرة دخول فتسجيله أهم من علاجه وبعد الفحص الطبي للمريض يقرر الطبيب بأن أصابع اليد حالتها صعبة وبحاجة للبتر وهنا احتار أهل المريض وصدمهم قرار الطبيب بالبتر وهنا يتدخل أحد مرافقيه ليتواصل مع طبيب آخر ويستدعيه لمعاينة الحالة وبعد الفحص قرر هذا الطبيب اداخل المريض المستشفى وأن يبقى تحت الملاحظة والرعاية .. وإعطاء المريض فرصة كي تلتئم جراحه وبعد متابعة المريض لأكثر من أسبوع بدأت يد المريض تستجيب للعلاج وبدأت تتعافي وتم بتر عقلة اصبع واحد من اليد مع العلم بان الطبيب الأول كان قد قرر بتر أربعة أصابع فور معاينته الحالة .
وحالة أخرى دخلت المستشفى وكانت تعاني من كسر في مشط القدم وتم التعامل معها داخل الاستقبال وبعد الفحص الطبي قرر الطبيب تحويلها للعظام ليتم وضع جبيرة على القدم وقام أهل المريضة بشراء جبيرة من الصيدلية المجاورة للمستشفى كون انها أفضل – جبيرة أمريكية – وقام الطبيب بتجبير قدم المريضة وللأسف قد شد الجبيرة على القدم أكثر من اللازم وعادة المريضة للبيت وبعد ساعات شاهدت انتفاخ بالقدم بدأت يتغير لون القدم وعادت المريضة مرة أخرى فأخبرها الطبيب انه شيء طبيعي ان تتورم القدم بعد التجبير وانه سوف يذهب الورم وما عليها الا ان تأخذ مسكن وفي اليوم التالي ساءت الحالة اكثر وقرر أهلها اخذها لمستشفى خاص وبعد المتابعة يتم فك الجبيرة مباشرة عن القدم لأنها تمت بطريقة غير صحيحة وتبدأ رحلة علاج جدية حيث تسببت تلك الجبيرة بمنع الدم من المرور عبر اوردة القدم مما تسبب بجلطة في القدم وتم تحويلها بعد التشخيص للمستشفى الحكومي مرة أخرة لتباشر علاجها من الجلطة والكسر وبعد عدة أيام تصاب أيضا وهي داخل المستشفى بحمى وبقيت تعاني حتى خرجت منها متمنية عدم العودة له بأي حال من الأحوال ولا تريد تذكر ما جرى لها داخله .
ما ذكرته ليس من أجل التشهير انما واقع مؤلم رأيته وعانيته مع ابني في أحد تلك المستشفيات و تلك حالات وقفت عليها عن قرب وعشت لحظاتها أحسست بمعاناة أهلها ورأيت دموع ذرفت ورأيت أناس يستعطفون الأطباء والممرضين لمتابعة حالة مريضهم، رأيت أناس يستعطفون رجال الامن الذين يغلقون البوابات. ولست هنا كي احاسب ولا أملي على أحد ولكن كلمة حق يجب أن تقال اختم بها كلامي
هناك مسئول عن القطاع الصحي فتلك مسئوليته ، وهناك مدراء للمستشفيات لديهم مسئوليات ، وهناك رؤساء اقسام لديهم مسئوليات . فلو عمل أحدهم عمله بإتقان لما وصلنا لما وصلنا إليه اليوم وكفانا شعارات وكفاكم تبريرا لتقصيركم..
وكلمة أخيرة لهؤلاء في المجلس التشريعي اين دوركم الرقابي على الحكومة اين المحاسبة أين المراقبة فحياتنا وحياة أبنائنا ليست ألعوبة ، وليست للتجربة .
كن أول من يعلق
تعليق جديد