في أول أيام عيد الأضحى تتسابق العائلات في قطاع غزة بحجز أحشاء الذبيحة، بعد ساعات طويلة من النقاش والجدل ما بين مؤيد ومشمئز، لطبخ "الأكلة الدسمة" وتصدرها مائدة الطعام ثالث أيام العيد.
وتعتبر "الكرشة" جزء من أحشاء الذبيحة، ويقبل عليها عشاقها في عيد الأضحى بكثرة، خاصة الرجال منهم فهم يجدون سعرها مغري جداً لتوافر الذبائح مقارنة مع الأيام الأخرى.
ولتجهيز هذه الوجبة اللذيذة يتوجب لتحضيرها الدخول في كفاح طويل لتنظيفها وغليها، بحيث تظهر بالشكل الشهير، كما تبدو هذه الطبخة الشعبية متّجهة نحو الانقراض، لولا بضع النسوة الـ "مضحيّات" وبعض المطاعم القليلة جداً التي تقدّمها، على اعتبار أنها لا تروق للكثير امتعاضاً من الرائحة الكريهة التي تنبعث منها لحظة إخراجها من الذبيحة.
وتعزو الحاجة أم عاطف عدم انتشار هذه الأكلة كثيراً على الموائد إلى الجهد الذي تحتاجه، وعدم قدرة الأجيال الجديدة من النساء على طبخها، بسبب ظروف الحياة المتطورة، وربّما لأنها كذلك، تسمّى "مطلّقة السبع نسوان"، في إشارة إلى قصة شعبية متواترة، عن رجل طلّق سبع نساء على التوالي بعدما فشلن في إعداد وجبة "كرشة".
وتتوافق السيدة أم محمد مع سابقتها في التأكيد على أن أكلة "الكرش" تحتاج إلى جهد كبير، حيث يجري تقطيع هذه الأحشاء بعد أن تنظف جيداً ومن ثم يتم خياطىتها إلى مكعبات صغيرة، تملأ بالرز والبصل والحمص، ومن ثم تطهى على النار، مضيفة أنها تنسى التعب حين تسمتع بتناولها ثالث أيام العيد برفقة العائلة.
وجرت العادة في قطاع غزة، أن تجمتع العائلة ثالث أيام عيد الأضحى لاعداد وتناول الأكلة "الملوكية"، حيث تُعد "الكرشة" مُثار جدل لا بسبب رائحتها النّفاذة أثناء الطهو فقط، بل بسبب "اشمئزاز" الكثيرين من أكلها، لأنها تحتل من جسم البقرة أو العجل، وحتى الخروف موقع البطن والأحشاء.
فنجد لدى عائلة أسعد والتي تنضم لقائمة المشمئزين من الأكلة، الابنة الكبرى تغلق أنفها حين تبدأ بتناول "الكرشة"، فيما تفضل أخواتها مغادرة المنزل وتناول وجبة أخرى في مطعم ما.
وعلى النقيض تقول الشابة هدى: "لا مانع لدي من طبخ الكرشة بشرط أن توصلني نظيفة"، مضيفة "أستمتع جداً بتناولها على طريقتي الخاصة "أشمر" ايديا وأغوص بلذة الأكلة.. إنها فخمة".
ومن الفوائد الصحية لأحشاء الذبائح، فهي تساهم فى تعزيز صحة العظام، وتحتوى على قدر ضئيل للغاية من السعرات الحرارية، وهو ما يجعلها الطعام المثالي للأشخاص الذين يتبعون حمية غذائية مشددة، كما أنها غنية جداً بعنصر الكالسيوم، ولذلك يمكن أن يعتمد عليها الأشخاص الذين لا يتناولون منتجات الألبان.
يذكر أن معمل (ويدسون تينايت) في أتلانتا وجورجيا، اكتشف في تحليل لعينة من الكرشة، وجود بكتيريا حمض اللاكتيك، والمعروفة ببكتيريا (الأسيدوفيلس)، وهي أحد أنواع البكتيريا المعوية المفيدة.
ويبين المعمل في تحليله للعينة أن نسبة الكالسيوم في "الكرشة" تبلغ 1:1، حيث تعد درجة الحموضة العامة بالنسبة للجانب الحمضي أفضل للهضم، أما نسبة البروتين فتصل إلى 15.1، والدهون 11.7، مع وجود الأحماض الدهنية الأساسية في نسبها الموصى بها.
كن أول من يعلق
تعليق جديد