تبدو وسائل التواصل الاجتماعي، بالنسبة لمتابعيها وخاصة الفلسطينيين، وسيلة للترفيه وتعزيز العلاقات الاجتماعية أحيانا، وأحيانا أخرى لتصفح الأخبار البارزة، لكنها بالقدر ذاته تمثل شِباك صيد مثمرة بالنسبة لأجهزة المخابرات الإسرائيلية والناطقين باسمها.
جولة واحدة في تتبع صفحة "المنسق" التي يديرها طاقم مخابراتي يرأسه الضابط "يوأف مردخاي" تظهر مدى تكسر الحواجز النفسية بين المواطنين الفلسطينيين وقادة العدو، إذ يبدو "مردخاي" مثلاً كمن يرأس "ديوان المظالم" في الضفة المحتلة؛ تخاطبه كل طبقات المجتمع لتسهيل مصالحهم، كـ طلب تصريح عمل أو تسهيل سفر !
ويبدو "مردخاي" في تعامله مع جمهوره الفلسطيني مفرطاً في اللطف والحرص على تقديم المساعدة، والعمل المتواصل على تحسين مستوى معيشة سكان الضفة والقطاع، هذا الطابع الناعم يؤدي دوراً مهماً في دفع متابعي "مردخاي" في التواصل معه بشكل خاص، الأمر الذي يقود في بعض الأحيان إلى بناء علاقة أساسها تبادل المصالح بين الطرفين.
مؤخراً، تابع معد التقرير صفحة "المنسق" على وجه التحديد، الذي لمع نجمه بعد أن بنى جسور التواصل الوثيقة مع جمهوره، اذ بدا الرجل أثناء استعراض انجازاته في تيسير السفر وبناء المنشآت الصناعية في الضفة وكأنه الحاكم الفعلي للضفة؛ يتعامل مع متابعيه ويعدهم بين المدة والأخرى في زيادة التسهيلات، بعيداً عن أطر السلطة الرسمية المتمثلة في وزارة الشئون المدنية، ولعل أبرز ما حفلت به صفحته في الوقت الأخير، هو الإعلان المتكرر عن طرح كتب الاسترحام للممنوعين أمنياً من العمل في الداخل المحتل، والاسترحام كما يوضحه أحد متابعي "مردخاي" الذي تواصلت معه نبأ برس، هو : "منح إذن عمل في (إسرائيل) للأشخاص الذين كانوا فاعلين في مقاومة المحتل، إذ أنه وبموجب الاسترحام يتعهد المتقدم بعدم تكرار العمل في صفوف الفصائل الفلسطينية مقابل المحافظة على تصريح العمل".
المختص في الشأن الاسرائيلي باسم ابو عطايا قال لوكالة نبأ برس إن الصفحات الاسرائيلية الناطقة بالعربية والموجهة للجمهور العربي وخصوصا الضفة المحتلة وقطاع غزة تشكل خطرا على الجبهة الداخلية الفلسطينية، حيث ان الهدف منها اما توجيه حرب نفسية او تسهيل التواصل مع قادة الاحتلال.
يضيف أبو عطايا: "من خلال هذه الصفحات يتم ابتزاز الشباب بعد الادلاء بمعلومات يتوهم الشاب أنها غير مهمة، وبعض الشباب يتواصلون بحسن نية في محاولة للنقاش والرد على ادعاءات الاحتلال ولكنهم في الحقيقة يروجون للصفحات، وأحيانا يقعون في اخطاء غير مقصودة تفيد دولة الاحتلال بمعلومات، وبالتالي يصبح الشاب جزء من العملية الاستدراجية الاسرائيلية دون قصد".
ويشير المختص في الشأن الإسرائيلي إلى أن الأصل هو أن لا يتم التواصل مع هذه الصفحات أو حتى التفاعل معها بالإعجاب و التعليق لان الحرب النفسية التي تخوضها سلطات الاحتلال أحيانا تكون أكبر من مستوى تفكير بعض الشباب.
ويؤكد أبو عطايا أن صفحات المسؤولين الاسرائيليين ليست عملا فرديا عابرا وانما مخطط يقوم عليه الالاف من الموظفين في كيان الاحتلال ويتم صرف الاف الشواكل عليه، ضمن برامج وحدة السيطرة التي اقامها الاحتلال للتعامل مع مواقع التواصل الاجتماعي وما تسميه بالجرائم الالكترونية.
لكن الأخطر من كل ما سبق، أن تواصل الشباب مع منسق شؤون الاحتلال خصوصا، تجاوز اللهجة الرسمية في الطلب ووصل لكلمات المجاملة والإطراء، وصولاً حتى إلى الإشادة "بدولة القانون" مقرونة بطلب التصريح المقدم لـ"سيدي الجنرال".
والى جانب ذلك، هناك من يذكّر المنسق بأن من مصلحة كيانه قبل أن تكون مصلحة قطاع غزة تسهيل انجاز تصاريح العمل للشباب والتجار من القطاع، رغبة في الحصول على تصريح، فضلا عن من يحيطه علما بأنه كان يعمل مع أمهر الشركات الاسرائيلية وهو الان بحاجة ملحة لأن يعود للعمل معهم.
هنا، يرى نشأت الاقطش وهو خبير في الاعلام أن (إسرائيل) لديها دراسات تثبت تدني رضا المواطنين الفلسطينيين على السلطات الحاكمة في الضفة المحتلة وقطاع غزة وبالتالي هذه بيئة مناسبة لاصطياد ضعاف النفوس.
يضيف الأقطش لوكالة نبأ برس: "قلنا أن صفحة المنسق خطر ويجب ان لا يسمح بالتعامل معها، مع ذلك لا السلطة الفتحاوية ولا السلطة الحمساوية حركت ساكنا لانهما ينسّقان مع الاحتلال، ولم يعد التنسيق عملا خيانيا كما كان في الماضي وانما اصبح مهمة رسمية يقوم بها ضباط فلسطينيين".
ويختم الخبير في الاعلام حديثه بأن السلطة الفلسطينية التي تنسق مع ضباط الاحتلال في قضايا امنية وعسكرية ومدنية لا تستطيع أن تمنع المواطنين أو تقول لهم لا تتصلوا بـ "المنسق"، مشددا على ضرورة أن يكون هناك توعية وطنية عالية عبر برامج مدروسة.
كن أول من يعلق
تعليق جديد