بعد مرور نحو ثلاثة أسابيع على قرار خصم رواتب الموظفين بغزة، وعلى بعد أيام من لقاء الرئيس محمود عباس بنظيره الأميركي في واشنطن، جددت (إسرائيل) مطالبتها للسلطة الفلسطينية بوقف رواتب الأسرى والشهداء، وذلك من خلال أعلى المستويات الوزارية في حكومة الاحتلال في (تل أبيب).
وأعاد رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تكرار هذا المطلب، مبررًا ذلك بأن “السلطة الفلسطينية يجب أن تثبت التزامها بالسلام من خلال إيقاف المخصصات المالية للأسرى والشهداء”. وأضاف في مستهل جلسة حكومته الأسبوعية أمس أن “السلطة لا يمكن أن تكون شريكًا في عملية السلام بينما تدعم الإرهاب، ويجب عليها أن تكف عن تمويل (الإرهابيين) الذين يقضون محكوميتهم في السجون”، حسب تعبيره.
موقف الاحتلال الإسرائيلي وتصعيد الضغط
لم تكن تصريحات نتنياهو جديدة، إذ سبق له أن أطلق تصريحات مماثلة خلال مقابلة مع شبكة “FOX NEWS” الأميركية، حيث طالب السلطة الفلسطينية بإثبات التزامها بالسلام ومحاربة الإرهاب عبر وقف هذه المخصصات المالية الشهرية. ويرى المختص بالشأن الإسرائيلي د. مأمون أبو عامر أن السبب وراء هذه المطالبة المتجددة من قبل نتنياهو هو قرار الرئيس محمود عباس بخصم جزء من رواتب موظفي غزة، وذلك بحجة معاقبة “حماس”.
وأوضح أبو عامر، في حديث خاص لوكالة “نبأ برس”، أن مطالبة (إسرائيل) بوقف رواتب الأسرى والشهداء ليست بالأمر الجديد، لكنها بقيت داخل الأروقة الإسرائيلية في إطار المحاججات بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني، بحضور وسطاء دوليين.
وأشار أبو عامر إلى أن نتنياهو وجد الآن ذريعة سياسية لمطالبته، وهي “تمويل الإرهاب”، تمامًا كما وجد عباس غطاءً سياسيًا لخصم رواتب الموظفين في غزة تحت ذريعة معاقبة “حماس”. وأضاف: “قد يكون هناك ارتباط بين تصريحات نتنياهو ولقاء عباس بترامب مطلع الشهر المقبل، وذلك بهدف الضغط على أبو مازن وتصعيد التوترات في هذه المرحلة”.
وتابع: “إذا ذهبت السلطة بهذا الاتجاه، فإن شعبيتها ستتآكل، ولن تُقدم على هذه الخطوة إلا بضغوط خارجية”.
تداعيات القرار على المشهد الفلسطيني
من جانبه، يختلف المحلل السياسي د. ثابت العمور مع أبو عامر حول وجود رابط بين تقليص رواتب الموظفين بغزة ودعوة نتنياهو لوقف مخصصات الأسرى والشهداء، مؤكدًا أن “نتنياهو يقود عملية تحريض ضد الشعب الفلسطيني، والكرة الآن في ملعب السلطة”. وأضاف العمور: “هل ستُقدم السلطة فعلًا على تنفيذ هذه الخطوة؟”.
وحذر العمور من أن “على السلطة أن تفكر مليًا قبل اتخاذ قرار بشأن ذلك، لأن الاستجابة لنتنياهو ستكون بمثابة انتحار سياسي وإنهاء للنظام السياسي الفلسطيني”. وأكد أن هذه الخطوة ستكون “صبًا للزيت على النار”، لا سيما في ظل خوض الأسرى إضرابًا عن الطعام، وهم الذين يمثلون رأس الحربة في المشهد السياسي الفلسطيني.
كما توقع العمور أن تأخذ الأوضاع منحى خطيرًا قد يتطور إلى ثورة شاملة في الضفة وغزة، في حال تم المساس برواتب الأسرى والشهداء. وأشار إلى أن عباس قد اختبر الشارع الفلسطيني مسبقًا عبر خصومات رواتب موظفي غزة، ورأى ردود الفعل الغاضبة، فما بالك إذا مسّ ملف الأسرى؟
ردود فعل الفصائل الفلسطينية
بدوره، وصف المتحدث باسم حركة “فتح” أسامة القواسمي تصريحات نتنياهو بشأن إيقاف المخصصات المالية للأسرى والشهداء بأنها “محاولة ابتزاز سياسي إسرائيلية رخيصة ومرفوضة”. وشدد القواسمي، في حديث خاص لـ “نبأ برس”، على أن “المساس برواتب الأسرى والشهداء خط أحمر لا يمكن تجاوزه، وأن محاولات نتنياهو المتكررة لابتزاز القيادة الفلسطينية لن تنجح”.
أما حركة “حماس”، فقد رأت أن الحملة الإسرائيلية الهادفة إلى الضغط على السلطة الفلسطينية لوقف مخصصات الأسرى والجرحى والشهداء هي محاولة لضرب وحدة الشعب الفلسطيني وتشويه نضالاته. وأكدت الحركة، في بيان صحفي وصل “نبأ برس”، أن “الأسرى والشهداء هم طلاب حرية، ومقاومتهم للاحتلال مشروعة، وهو أمر أقرته الشرائع والقوانين الدولية”. واعتبرت الحركة أن “كل أشكال الدعم الأميركي والدولي للاحتلال هو دعم فعلي للإرهاب، وتشجيع على العنف والقتل ضد الشعب الفلسطيني”.
موقف السلطة الفلسطينية من المطالب الإسرائيلية
رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين الفلسطينية، عيسى قراقع، أكد أن “الابتزاز الإسرائيلي للسلطة الفلسطينية لقطع مخصصات عائلات الأسرى والشهداء مرفوض تمامًا”. وأوضح قراقع، في تصريح صحفي، أن “مخصصات الأسرى والشهداء خط أحمر، ولن تخضع القيادة الفلسطينية لأي ابتزاز”. وأضاف: “لقد أخبر الرئيس محمود عباس المبعوث الأميركي جيسون غرينبلات في لقائهما الشهر الماضي أن مخصصات الأسرى والشهداء خط أحمر، ولن نتخلى عن دعم عائلاتهم بأي شكل من الأشكال”.
وأشار إلى أن “موقف الرئيس أبو مازن ثابت في هذه المسألة، وقال للأميركيين بصريح العبارة: (لو بنشحد قرش قرش، لن نتخلى عن مسؤوليتنا تجاه الأسرى والشهداء)”. وتابع: “هناك حملة إسرائيلية شرسة ضد الأسرى، وهي مستمرة منذ سنوات، عبر تحريض يومي يمارسه الوزراء وأعضاء الكنيست والإعلام الإسرائيلي، بزعم أن أموال المانحين تُستخدم لدعم الأسرى الفلسطينيين المنخرطين في مقاومة الاحتلال”.
إجراءات إسرائيلية ضد الصندوق القومي الفلسطيني
يُذكر أن القيادة الفلسطينية قررت عام 2014 تحويل وزارة شؤون الأسرى والمحررين إلى هيئة تابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية، يتم تمويلها من الصندوق القومي الفلسطيني، بدلًا من السلطة الفلسطينية التي تخضع لرقابة المانحين على ميزانيتها الصادرة عن وزارة المالية.
لكن هذه الخطوة لم توقف استهداف الاحتلال للأسرى، حيث أعلن وزير الحرب الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، في 16 مارس/آذار الماضي، أن الصندوق القومي الفلسطيني “تنظيم إرهابي”، وسحب تصريح الشخصيات المهمة “VIP” من رئيسه رمزي خوري، حسب ما نقلته وسائل الإعلام الإسرائيلية.
في السياق ذاته، أكد وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي أن “قضية الضغط على السلطة الفلسطينية لقطع مخصصات الأسرى والشهداء ستكون على أجندة الوفد الفلسطيني خلال لقائه مع المسؤولين الأميركيين اليوم”. وأضاف أن “هذه اللقاءات تهدف إلى التحضير لزيارة الرئيس عباس إلى الولايات المتحدة”.
التصعيد مستمر
طرح مسؤولون ونواب في الكنيست الإسرائيلي مشروع قرار لمصادرة ملايين الدولارات من عائدات الجمارك الفلسطينية التي تجبيها حكومة الاحتلال، كخطوة عقابية ضد استمرار دفع رواتب الأسرى والشهداء. ويتوقع مراقبون أن يؤدي هذا التصعيد إلى مزيد من التوترات السياسية، لا سيما في ظل استمرار التحريض الإسرائيلي ضد الأسرى والمقاومة الفلسطينية.